بحث فى هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 6 أبريل 2011

فجعلناها حصيدا

فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

قال الله تعالى:"إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)"[يونس].
 قال ابن كثير في تفسيره:"ضرب تبارك وتعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بماء أنزل من السماء مما يأكل الناس من زروع وثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها وما تأكل الأنعام من أب وقضب وغير ذلك "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها" أي زينتها الفانية "وازينت" أي حسنت بما خرج في رباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان "وظن أهلها" الذين زرعوها وغرسوها "أنهم قادرون عليها" أي على جذاذها وحصادها فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها ولهذا قال تعالى"أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا" أي يابساً بعد الخضرة والنضارة "كأن لم تغن بالأمس" أي كأنها ما كانت حينا قبل ذلك وقال قتادة : كأن لم تغن كأن لم تنعم وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن. ولعل كوارث التوسونامي بدول جنوب شرقي أسيا خلال الأعوام الأخيرة تجسد مشهداً ساقته الآية الكريمة في سياق المثل الذي يجلي طرفاً من معنى الآية الكريمة، فخلال بضع دقائق يتغير اللاندسكيب أو المشهد الأرضي تغيراً كلياً أو شبه كلي، ينقلك مباشرة إلى اللفظ المعبر عنه بـ "الحصيد" وهو "الحصاد في غير إبانه على سبيل الإفساد". ومن الملفت بداية حديث القرآن عن "خسوف جوانب البر" باعتباره المصدر الأساس لموجات المد الزلزالية وما ينشأ عنها من غرق، والتي تنتج بدورها عن حركة الألواح الأرضية، حيث اكتشف أن القشرة الأرضية ليست كتلة واحدة، إنما هنالك مجموعة من الألواح لكل لوح حواف وجوانب محددة، يقول تعالى:"أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا" [الإسراء: 68-69].
وقد وقع وفي السادس والعشرين من ديسمبر من عام 2004م زلزال تحت البحر كان مركزه على مسافة من الساحل الغربي لجزيرة "سومطرة" الإندونيسية، وتسبب زلزال تسوناميالبوكسينج داي في حدوث موجات مد مدمرة على طول سواحل اليابسة المطلة على المحيط الهندي، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 230.000 شخص في أحد عشر بلدا، وإغراق المناطق الساحلية بسبب ارتفاع الموجات لمدى كبير جداً وصل إلى 30متراً. وتعتبر هذا الحادثة واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في التاريخ.
ومرة أخرى في الحادي عشر من مارس 2011م وقع زلزال اليابان، وكان على عمق 24.4 كيلومتر، وذلك عند الساعة 14.46 بالتوقيت المحلي، أي الخامسة و46 دقيقة بتوقيت غرينتش، على بعد نحو 100 كيلومتر من سواحل مياجي(شمال شرق)، مولداً موجات مد بحري في سنداي ومناطق أخرى من المنطقة الساحلية المطلة على المحيط الهادي، وهو ما تسبب بتسونامي هائل مع أمواج وصل ارتفاعها إلى 10 أمتار وجرفت منازل وسفناً، فيما رصدت هيئة الطقس اليابانية، ثورة بركان شيمويداكى في جنوب اليابان، بعد بقائه خامدا لأكثر من 50 عاماً، حيث قذف الرماد والصخور والنيران على ارتفاع 4 كيلومتر، ولم يتضح بعد إذا كان هذا الثوران يمت بصلة إلى الزلزال. بالإضافة إلى حدوث توقف في أنظمة تبريد ثلاثة مفاعلات بمحطة فوكوشيما النووية، وهو ما ينذر بكارثة نووية على غرار ما حدث بمفاعل تشرنوبل الأوكراني في 26 أبريل من عام 1986م. ويعد الزلزال الذي بلغت قوته 8.9 درجة، الذي قالت الهيئات الأميركية واليابانية لرصد الزلازل إنه الخامس من حيث القوة في العالم منذ 1900م والسابع في التاريخ، وزادات حصيلة القتلى على عشرة آلاف نسمة؛ وهى حصيلة مؤقتة إلى الآن.
وهذه مشاهد أخرى لمناطق يابانية قبل وبعد الزلزال وموجات المد الزلزالية(مارس-2011م)
"فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ"

"كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
" لعل من أهم دروس هذه الكارثة:
 1- "مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ":
 قال تعالى:"أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا" (فاطر:44). وقال أيضاً: "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر"(المدثر:31).
 2- إنذار مبكر:
"لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ": قال تعالى:"وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ"(الشورى:30)، وقال:"وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ"(الحج:31). قال أيضاً:"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"(الروم:41)،
 3- "أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ":
 قال تعالى:"أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45)أَوْ يَأْخُذَهُمْ في تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46)أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(47)" (النحل).
 وقال أيضاً:"أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)" (الأعراف).
 4- زلزال دون زلزال:
 كثرة الزلازل في آخر الزمان إحدى علامات الساعة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة،.. وتكثر الزلازل.. ". ، إلا أنها جميعاً على ما تحدثه تبقى دون زلزال الساعة الذي وصفه الله تبارك وتعالى بالشيء العظيم، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ(2)"(الحج)، وقال أيضاً:"إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)"(الزلزلة).
 5- قصور الحسابات البشرية:
قال تعالى:"أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ"(الملك:20)، وقال أيضاً:"وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"(الإسراء:85)، فبالرغم من نظام الإنذار لتسونامي المحيط الهادئ في هونولولو، والذي يرصد جميع التموجات الزلزالية التي تحدث في أي مكان في المحيط الهادئ. وتمتع اليابان بنظام صارم للإنذار المبكر باعتبارها إحدى أكثر الدول المعرضة لتدمير الزلازل كما لديها "هيئة مواجهة تسونامي"، لم تفلح حتى في التقليل من آثار الكارثة، وهذا إن دل فإنما يدل على قصور حسابات البشر وأن قضاء الله نافذ لا محالة، قال تعالى:"وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(الأنعام:17).
 6- نعمة العافية:
 روى الترمذي في سننه عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله, قال:(سل الله العافية) فمكثت أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله , فقال لي:(يا عباس, يا عم رسول الله, سل الله العافية في الدنيا والآخرة)، كما روى أحمد في مسنده والترمذي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق