بحث فى هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 9 أبريل 2011

وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا

                            أسرار البرزخ بين البحرين والحواجز المائية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:تضمن القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من (1400) عام بعض المعلومات عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثاً بواسطة بعض الأجهزة المتطورة.
ففي قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾[سورة الفرقان، الآية:53] وصف لنظام المصب، وتوضيح لامتزاج الماء العذب وماء البحر، وأن منطقة الامتزاج محمية ببعض القيود على ما يدخل إليها أو يخرج منها. وقد برهن العلم الحديث على خواص المصب هذه. كما برهنت علوم الأحياء الحديثة على أن هذه المنطقة هي منطقة محصورة تعيش فيها بعض الحيوانات الخاصة بهذه البيئة.
وبالإضافة إلى بيان وجود هذه الحواجز بين الماء العذب وماء البحر المالح فقد ذكر القرآن الكريم أيضاً وجود حواجز مماثلة في البحار نفسها قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-20] وتشبه هذه الحواجز الحدود المائية بين مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبين مياه البحر الأحمر وخليج عدن وفي مواقع أخرى من بحار العالم.
 
1- أسرار المصب والحاجز بين النهر والبحر
في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية: 53].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين في الآية:
اللفظ مرج يأتي بمعنيين بارزين:
الأول: الخلط
قال تعالى: ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج﴾[سورة ق، الآية:5]. وجاء في لسان العرب (أمر مريج: أي مختلط) وقال الأصفهاني في المفردات: (أصل المرج: الخلط) وقال الزبيدي: (ومرج الله البحرين العذب والمالح خلطهما حتى التقيا…).
وقال الزجاج: مرج: خلط يعني البحر الملح والبحر العذب
وقال ابن جرير الطبري: (والله الذي خلط البحرين فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه) وأصل المرج: الخلط ومنه قول الله: (في أمر مريج) أي: مختلط. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: (مرج البحرين) يعني خلع أحدهما على الآخر. وعن مجاهد: أفاض أحدهما على الآخر. وعن الضحاك بمثل قول ابن عباس وذهب إلى هذا المعنى جمهور من المفسرين منهم: القرطبي وأبو حيان والآلوسي والخازن ……. ………. والرازي والشوكاني والشنقيطي.
الثاني: مجيء وذهاب واضطراب (قلق)
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (الميم والراء والجيم أصل صحيح يدل على مجيء وذهاب واضطراب) وقال: مرج الخاتم في الأصبع: قلق. وقياس الباب كله، منه (ومرجت أمانات القوم وعهودهم): اضطربت واختلطت. وجاء نفس المعنى في الصحاح للجوهري ولسان العرب وبذلك قال الزبيدي والأصفهاني .
(البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)
البحر العذب هو النهر، ووصفه القرآن الكريم بوصفين: عذب، وفرات ومعناهما: أن ماء هذا البحر شديد العذوبة، ويدل عليه وصف (فرات)، وبهذا الوصف خرج ماء المصب الذي يمكن أن يقال إن فيه عذوبة، ولكن لا يمكن أن يوصف بأنه فرات.
وما كان من الماء ملحاً أجاجاً فهو ماء البحار، ووصفه القرآن الكريم بوصفين (ملح) و(أجاج) وأجاج معناه شديد الملوحة، وبهذا خرج ماء المصب لأنه مزيج بين الملوحة والعذوبة فلا ينطبق عليه وصف: ملح أجاج.
وبهذه الأوصاف الأربعة تحددت حدود الكتل المائية الثلاث:
هذا عذب فرات: ماء النهر.
وهذا ملح أجاج: ماء البحر.
وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً: البرزخ هو الحاجز المائي المحيط بالمصب.
فما هو الحجر المحجور؟
الحِجْر والحَجْر: هو المنع والتضييق
يسمى العقل حِجْراً: لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي قال تعالى: ﴿هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ [سورة الفجر، الآية:5] والسفيه يَحْجُر عليه القاضي من التصرف في ماله فهو في حِجْر أو حَجْر والكسر أفصح. وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "لقد تحجرت واسعاً" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد .قال ابن منظور: (لقد تحجرت واسعاً) أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك . ونستطيع أن نفهم الحجر هنا: بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر.
ووصفت هذه المنطقة أيضاً بأنها محجورة أي ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلاً عن الأول أي أنها أيضاً منطقة ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها فهي:
حجر (حبس، محجر) على الكائنات التي فيها.
محجورة على الكائنات الحية بخارجها.
ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين البحر والنهر برزخاً مائياً هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، وجعل الماء بين النهر والبحر حبساً على كائناته الحية ممنوعاً عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر. ولم يتيسر للمفسرين الإحاطة بتفاصيل الأسرار التي ألمحت إليها الآية، لأنها كانت غائبة عن مشاهدتهم وتعددت أقوالهم في تفسير معانيها الخفية: فقال بعضهم في قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين﴾[سورة الفرقان، الآية:53] أي خلطهما فهما يلتقيان. ويستند هذا القول إلى المعنى اللغوي للفظ: (مرج)، وقررت طائفة أخرى من المفسرين أن معنى (وهو الذي مرج البحرين) أي (وهو الذي أرسلهما في مجاريهما فلا يختلطان.).قال ابن الجوزي: قال المفسرون: والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما فما يلتقيان، ولا يختلط الملح بالعذب، ولا العذب بالملح.
التحقيق العلمي :
شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد –بالتدريج- لونه المميز، وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحراً عذباً يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.
ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.
وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
(1) مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
(2) مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
(3) مياه في منطقة المصب مزيج من الملوح والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.
(4) يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.
(5) عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج، لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.
(6) يمتزج ماء النهر بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يحيط بها ويحافظ على وجودها.
(7) تختلف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها ما يلي:
أ- معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها.
[ويوجد بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، وثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيف مع كل بيئة فعديدات الأشواك (فيفينس) وَمَعِدِيَّاتُ الأرجل (لبتورينا، نيريتا) والسركانات توجد في المصبات ولكنها يمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما (النيريس) وهي من عديدات الأشواك، ومَعِدِيَّات الأرجل (نيريتينا، هيدروبيا) والقشريات (سيانثورا) فتعتبر حيوانات لمنطقة المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها] .
ب- وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الاسموزي في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب.
وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي أيضاً.
2- وصف الحاجز بين البحرين
قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-22].
وقال تعالى: ﴿وجعل بين البحرين حاجزاً﴾ [سورة النمل، الآية:61].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين:
البحرين: قال ابن فارس: (الباء والحاء والراء. قال الخليل: سمي البحر بحراً لاستبحاره وهو انبساطه وسعته… ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبته استبحر، وماء بحري أي مالح) .وقال الأصفهاني: (وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب). وقال ابن منظور: (وقد غلب على المالح حتى قل في العذب) .فإذا أطلق البحر دل على البحر المالح، وإذا قيد دل على ما قيد به.والقرآن يستعمل لفظ الأنهار للدلالة على المياه العذبة.ويطلق البحر ليدل على البحر المالح قال تعالى: ﴿وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار﴾[سورة إبراهيم، الآية:32].
وكذلك إذا أطلق البحر في الحديث (إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء) يقصد بذلك البحر المالح.
البرزخ:هو الحاجز: وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنه لا يرى.
البغي: قال ابن منظور: (وأصل البغي مجاوزة الحد) وبمثله قال الجوهري والأصفهاني .
المرجان: قال ابن الجوزي: (وحكى القاضي أبو يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) وروي عن الزجاج قوله: (المرجان أبيض شديد البياض) .وقال ابن مسعود: المرجان الخرز الأحمر .وقال أبو حيان: (وقال أبو عبدالله وأبو مالك: المرجان الحجر الأحمر، وقال الزجاج: حجر شديد البياض، وحكى القاضي أبو يعلي: أنه ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) .وقال القرطبي: (وقيل المرجان عظام اللؤلؤ وكباره قاله علي وابن عباس رضي الله عنهما، واللؤلؤ صغاره، وعنهما أيضاً بالعكس أن اللؤلؤ كبار اللؤلؤ والمرجان صغاره وقاله الضحاك وقتادة) .وقال الآلوسي: (يخرج منها اللؤلؤ: صغار الدر. والمرجان كباره) .وقد رووا ذلك عن علي ومجاهد وابن عباس، وروي أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة العكس، (وأظن أنه إن اعتبر في اللؤلؤ معنى التلألؤ واللمعان، وفي المرجان معنى المرج والاختلاط فالأوفق لذلك ما قيل ثانياً فيهما).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: (المرجان الخرز الأحمر).وحاصل ما سبق أن المرجان نوع من الزينة يكون بألوان مختلفة بيضاء وحمراء وكبيراً وصغيراً، وهو حجر يكون كالقضبان، وقد يكون صغيراً كاللؤلؤ أو الخرز، وهو في الآية غير اللؤلؤ، وحرف العطف بينها يقتضي المغايرة. والمرجان لا يوجد إلا في البحار المالحة.وهيا إلى النص القرآني الكريم لنرى دقائق الأسرار التي كشف عنها اليوم علم البحار: قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان*يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية:19-22].
تصف الآيات اللقاء بين البحار المالحة، ودليل ذلك:
أ- لقد أطلقت الآية البحرين، فدل ذلك على أن البحرين مالحان.
ب- بينت الآية الأخيرة أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين مالحين.
ج- عندما ذكرت منطقة اللقاء بين البحر والنهر في سورة الفرقان بينت الآية أن بينهما شيئين: (1) البرزخ، (2) الحجر المحجور، قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية:53] أما في هذه الآيات من سورة الرحمن فقد بينت أن الفاصل هو البرزخ فدل ذلك على أن اللقاء هنا بين بحرين لا بين عذب ومالح. بسبب اختلاف ما يحدث عند اللقاء في الحالتين.
فمن الذي كان يعلم أن البحار المالحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف التي تدركها الأبصار والحواس: (مالحة-زرقاء-ذات أمواج) وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها؟ والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست، فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر وأمواج وتيارات وأعاصير؟؟
والآية تذكر اللقاء بين بحرين مالحين يختلف كل منهما عن الآخر، إذ لو كان البحران لا يختلف أحدهما عن الآخر لكانا بحراً واحداً، ولكن التفريق بينهما في اللفظ القرآني دال على اختلاف بينهما مع كونهما مالحين.
و(مرج البحرين يلتقيان) أي أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب. وهذا ما كشفه العلم من مد وجزر في البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار المختلطة تختلط مع بعضها ببطء شديد.ومن يسمع هذه الآية فقط، يتصور أن امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة بها. ولكن العليم الخبير يقرر في الآية بعدها ﴿بينها برزخ لا يبغيان﴾ أي ومع حالة الاختلاط والاضطراب هذا التي توجد في البحار فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً منهما أن يطغى ويتجاوز حده. وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته، فقد وجد ماء ثالثاً يختلف في خصائصه عن خصائص كل من البحرين، ويفصل كلاً من البحرين المالحين المتمايزين في خصائصهما من حيث الملوحة والحرارة، والكثافة، والأحياء المائية، وقابلية ذوبان الأوكسجين. ووجد أن هذا الحاجز المائي متحرك بين البحرين على اختلاف فصول السنة، وهذا المعنى يندرج أيضاً تحت قوله تعالى: (مرج) الذي يعني أيضاً الذهاب والإياب والاختلاط والاضطراب. ومع وجود البرزخ فإن ماء البحرين المتجاورين يختلط ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر. لأن البرزخ منطقة تقلب فيه المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المتنقلة من بحر إلى بحر آخر صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا يمتنع طغيان بحر بخصائصه على البحر الآخر مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء وصدق الله القائل:﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾.ثم انظر كيف جاء الوصف القرآني في آية سورة الفرقان مبيناً خصائص اللقاء بين البحر العذب والبحر المالح، جاء الوصف الدقيق أيضاً في آيات سورة الرحمن مبيناً خصائص اللقاء بين البحرين المالحين، فظهر في عصرنا اليوم سر تلك الفوارق الدقيقة بين الوصفين
وبينت الآية أن البحرين المذكورين فيها، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، والمرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، ولذلك لا توجد بين البحرين المالحين منطقة (حجراً محجوراً) على الكائنات الحية، لأن الاختلاف في درجة الملوحة ليس شديداً ليكون مانعاً لانتقال الكثير من الأحياء البحرية من بيئة إلى بيئة أخرى.
ولقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الحاجز الذي يفصل بين البحرين المذكورين هو حاجز من قدرة الله لا يرى كما قال ابن الجوزي وغيره، وذلك يوضح عجز أكابر العلماء عن أن يحيطوا بتفاصيل ودقائق ما ذكره القرآن.
 وصدق الله القائل: ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ [سورة البقرة، الآية:255] وعندما شاء المولى أن يُري الإنسان تفاصيل هذه الآية كشف لهم قدراً من العلوم ازدادوا به علماً في هذا المجال، ومع كل كشف يتضح للإنسان حدود علمه، ولله در المفسرين الذين يقولون بعد كل تفسير والله أعلم.
التحقيق العلمي
لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين كما يلي:
هناك برزخ بين البحرين يتحرك بينهما يسميه علماء البحار (الجبهة) تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين الجبهتين، وبهذا يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.
وهناك اختلاط بين البحرين رغم وجود هذا البرزخ لكنه اختلاط بطيء يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه، دون أن يؤثر على تلك الخصائص.
اكتشف علماء البحار سر اختلاف تركيب البحار المالحة في عام (1284هـ 1873م) على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة (تشالنجر) فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة، ومقادير الكثافة، وأنواع الأحياء المائية، ولقد كانت هذه الأسرار ثمرة رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام وهي تجوب في جميع بحار العالم.
وقد جاء في بحث الظواهر البحرية ما يلي:
من المهم جداً أن نجد ذكراً للؤلؤ والمرجان في هذه المنطقة من البحار، وأن لا نجد مثل ذلك عند بحث (التقاء المياه العذبة مع المياه المالحة)، ويدل ذلك على أن اللؤلؤ والمرجان يتكونان في المناطق البحرية النقية ولا يتكونان في مناطق امتزاج المياه العذبة مع مياه البحر. وتؤكد الدراسات البحرية الحديثة على أن المرجان يوجد فقط في المناطق المدارية –دون الاستوائية- غير الممطرة أو قليلة المطر، ولا ينمو في مناطق المياه العذبة.ومن المدهش جداً أن نرى هذا التمييز بين المنطقتين دون الحاجة إلى فحص مياه البحار بالأجهزة الحديثة المعقدة.
وللباحث محمد إبراهيم السمرة الأستاذ بكلية العلوم –قسم علوم البحار، في جامعة قطر دراسة ميدانية في خليج عمان الخليج العربي ذكر فيها نتائج دراسات كيميائية قامت بها سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر، في الخليج العربي وخليج عمان في الفترة (1404-1406هـ –1984-1986م) وتضمن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبين اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما. ووضح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار (منطقة المياه المختلطة) (منطقة البرزخ).
وبينت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي. أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليه تأثير عملية الاختلاط بين الخليجين فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين.وأكدت النتائج أنه برغم هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة)، وتواجد نوعين من المياه فوق بعضهما البعض فإن حاجزاً ثابتاً له استقرار الجاذبية وقوتها يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10إلى50متر) إذا كان اختلاط مياه الخليجين رأسياً أي أن أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاوزت المياه السطحية لكل من الخليجين. والله اعلى واعلم 0
 قال تعالى: ﴿ولتعلمن نبأه بعد حين﴾ [سورة ص، الآية:88].فمن أخبر النبي الأمي في الأمة الأمية في البيئة الصحراوية حيث لا وجود لنهر ولا لمصبه عن هذه الأسرار الدقيقة عن الكتل المائية المختلفة التركيب: عذب فرات، مالح أجاج، وبينهما برزخاً وحجراً محجوراً.والحَجْر: هو المكان المحجور لكائنات حية تعيش في هذه البيئات المائية الثلاث؟!.وكم استغرق الإنسان من الزمن؟ وكم استخدم من الآلات الدقيقة والأجهزة الحديثة حتى تمكن من الوصول إلى هذه الحقائق التي جرت على لسان النبي الأمي قبل ألف وأربعمائة عام بأوجز تعبير وأوضح بيان؟من أين جاء هذا العلم لمحمد عليه الصلاة والسلام إن لم يكن من عند الذي أحاط بكل شيء علماً.

خاتمة :
هذا وما كان من توفيق واحسان فمن الله وحده وما كان من خطا اوذلل اونسيان فمنى ومن الشيطان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق